المركز الوطني للعرضة بدارة الملك عبدالعزيز في مهمة رسمية ووطنية لخدمة العرضة وتفعيل حضورها

يتمسك المركز الوطني للعرضة السعودية بحق العرضة في المحافظة على أصولها ومفرداتها، وإبقاء صورتها التراثية كاملة ومتماسكة حتى لا تصبح شيئا آخر لا ينتمي إلى معنى حضاري أو تراثي حتى وإن كانت قابلة للتطور ــ لدى البعض ــ إلا أنه لابد أن يكون تطورا واعياً، ومن هنا يبذل المركز بصفته أول مركز وطني رسمي مستقل جهودا تطبيقية منذ نشاطاته العلنية الأولى من سوق عكاظ الماضي ثم اليوم الوطني فمهرجان الجنادرية الحالي.

 فالمركز الذي أنشيء بأمر سام كريم عام 1438هـ وأن يكون مقره دارة الملك عبدالعزيز وأن تشرف على أعماله وفق لجنة إشرافية من الجهات ذات العلاقة ، مرّ بمراحل تأسيسية بدءا من ورشة عمل خاصة عقدت في العام نفسه لاستقصاء جميع الآراء من الخبراء والفرق الشعبية والأكاديميين والمعنيين والباحثين من كل مناطق المملكة على اختلاف تنوع العرضة في كل منطقة وثقافاتها ، بهدف تحقيق شراكة مع الجميع حول تطوير تقديم و نشر جميع ما اتفق عليه حول هذا الفن الفلكلوري، كما عقدت اللحنة الإشرافية برئاسة الدارة عددا من الاجتماعات للوصول إلى أحدث الأفكار العملية الإبداعية وأقص درجات الجودة في عمل المركز ، وتسخير المعلومات والتجارب السابقة لبناء مركز بأعلى جودة  ممكنة وبرؤية شاملة لأبعاد هذا الفن البشري الراقي.

 ويسعى المركز إلى صوْن تراث العرضة السعودية كونها إحدى السمات التراثية التي تمثل نقطة مشتركة في مختلف تراث المناطق في المملكة، وكامتداد لتراث الجزيرة العربية، فالعرضة تعود إلى عصور قديمة، وفي ذلك قال الشيخ حمد الجاسر ــ رحمه الله ــ عن فن العرضة: " رقصة حربية تمتد جذورها إلى أعماق التاريخ القديمة".  

والعرضة السعودية تُؤدى بشكل جماعي يحقق التناغم الداخلي للمشاعر واللحن الخارجي لقصيدة العرضة لدى العارضين، وبالتالي يتحقق التجمع العاطفي والتوحد بين الفئة الاجتماعية الواحدة وهذا أحد شروط الانتصار في الحرب التي ارتبطت بها العرضة، بل إنه في إحدى معاني كلمة " العرضة" أنها تعني الجيش الضخم.

 وتنعقد العرضة بعد إعلان الحرب أو صدور قرارها ، ففي القديم  ونتيجة للمعارك المستمرة إذا ما حانت المعركة ـــ وكما يقول العربي ــــ و : " دُقّت طبول الحرب " نادى المنادي أو صوّت ب "الحوربة "  ليستجيب له من حوله ويصطفون في صفين ، ومن ثم يهزج المنادي شعرا يتفق مع الحالة التجهيزية للمعركة ، ليرددها صف ثم يردها الصف الثاني ، وإذا انتظم الصوت وتناغم الأداء قُرعت الطبول على نحو متوازن مع اللحن الصوتي فتنعقد و تنطلق العرضة التي بدأت قصيدتها أول ما بدأت بالشعر الحربي الحماسي الذي يناسب سببها،  وبعدها تحولت مع الاستقرار والأمن الذي ننعم به إلى أيقونة وطنية وأداة تعبير للفرح والسلام .

ويقوم المركز الوطني للعرضة السعودية التابع للدارة بسنّ عدد من الخطوات للمحافظة على هذا الفن الحركي لدلالاته الوطنية فكثيرا من قصائد العرضات التي أداها الملك عبدالعزيز ـــ رحمه الله ــــ تؤرخ لمعارك توحيد المملكة، منها تقديم دورات تدريبية على الأداء السليم للعرضة لزوار ه في أرض الجنادرية ، ولكي يستشعر المتدرب إحساس الثقة والانتماء والحس الوطني والفخر الذي تبعثه العرضة السعودية في النفس، وليبدأ المتدربون في نشرالعرضة في فئات المجتمع، ولكي يصبحوا عيناً لمراقبة الأغلاط الحركية والشكلية واللحنية التي لحقت بها من قبل بعض الفرق الشعبية ذات النزعة التجارية البحتة، وفضلاً عن التكسب المالي بالعرضة، فإن هناك أخطاء شكلية وتنفيذية يستعد المركز لمعالجتها بوسائل متعددة بعد القيام بالدراسات والبحوث اللازمة والمسح الميداني  .

 ومن الاشتراطات المهم لإقامة عرضة ــ كما يقول المركز الوطني للعرضة السعودية ــ كاملة وأصيلة أن لا يقل عدد أبيات قصيدتها عن عشرة أبيات، وأن تُلبس لها ملابسها الخاصة  التي تعبر في الأصل  باتساع الأكمام عن جاهزية المحارب للمعركة ، كما أنه لا بد من العدد الكافي لصفي العرضة ليصل أداؤهم إلى المستوى الكورالي ، كما أنه من العيوب الدارجة في بعض العرضات الحالية استخدام " الطارة" ذات الوجه الواحد،  أيضاً ولكون العرضة تذكي الحماس فلا بد أن لا يكون صوت من ينادي للحوربة صوتا خافتا ففي ذلك خرق لهدف العرضة الأساس وهو الشحذ والقوة، فقد قرن الأديب المعروف عباس محمود العقاد بين العرضة والشجاعة ، فقال في وصف ذلك ضمن حديث عن العرضة : " تقترن بالشجاعة ولا سيما شجاعة الفرسان المقاتلين بأيديهم صفة لازمة لها ، متممة لعملها قلما ينفصل عنها "  كما أن " الزّمية" وهي التي تؤدى في آخر العرضة لا تتم إلا بوجود قادة البلاد فمن الأخطاء الأدائية أن تؤدى في الأعراس وغيرها من المناسبات الخاصة، كل هذه الانحرافات في العرضة التي يعزوها البعض للصبغة الربحية عند قلة من الفرق المتخصصة أو لعدم حضورها المستمر في محافل المدن والقرى وبالتالي حضورها في الذاكرة الجديدة للمجتمع ستكون محل اهتمام المركز .

وفي الأخير فإن العرضة تمتلك فضلا عن خاصية إشعال الحماس سواء للحرب أو للفرح فإنها تمتلك أخرى أنها مرنة وابنة وفيّة لجغرافيتها حتى لكأنه يوجد أكثر من شكل للعرضة إلا أنها اختلافات بسيطة صنعتها طبيعة الأرض ، فعرضة أهل الصحراء الواسعة تبدو حركاتها بطيئة وبتمايل هادئ وذلك لإحساس العارضين في هذه البيئة الصحراوية باتساع المكان ، بينما عرضة سكان الأراضي الجبلية تبدو بخطى سريعة وتمايل قوي ومتسارع بسبب تعاملهم بنفس الكيفية مع التضاريس الصعبة ، أما سكان السواحل لهدوئهم المكتسب من مجاورة البحر فعرضتهم هادئة وأكثر عمق وتتم بشكل رتيب ، وهذا ما أخذه المركز الوطني للعرضة السعودية منذ بداية اضطلاعه بالمهمة التراثية بحماية أحد المنتجات الثقافية والمآثر الفنية والوطنية .